اليتيم

<p class=ql-align-right><strong>اليتيم</strong>... ليست مجرد حكاية عن طفل فقد أباه، بل هي رحلة صراع مريرة يغوص فيها القارئ حتى الأعماق. إنها شهادة حية تُروى بلسان صبيّ أنهكته قسوة الأيام وطغيان البشر. صبيّ لا يخشى وحشة الغرباء بقدر ما يرتجف خوفًا من ضربات يدٍ كان يُفترض بها أن تحتضن.</p><p class=ql-align-right></p><p class=ql-align-right>هذا الكتاب دعوة صادقة لتلمس البرد الذي تسلل إلى عظام اليتيم عبر ثقوب حذائه القماشي المهترئ، والوخز الذي اعتاد قلبه على تحمله قبل أن يعتاده جسده. هنا، الفقر ليس مجرد غياب للمال، بل هو مرضٌ معدٍ ينبذ صاحبه ويزيد من سخرية الأقران وبغض المعلمين. نحن أمام صورة صادقة ومؤلمة لطفولة مسلوبة، تُعلّمنا كيف يُصقل الألم صلابة في النفس، وكيف يصبح النبذ قدرًا لازمًا.</p><p class=ql-align-right></p><p class=ql-align-right>بأسلوب أدبي رصين، يأخذك أبو الخير الحمود إلى ريفٍ قارس، حيث لا يجد البطل مفرًّا من واقعه القاسي إلا في خيالاته المتمردة: يحلم بسترة جلدية دافئة، ويهرب من الألم بالركض نحو الأسفل ليخترق الهواء، أو يتخيل نفسه واقفًا على منصة المدرسة يلعن فيها معشر الحقراء بصوت عالٍ لم يجرؤ قط على إطلاقه. إنها مذكرات الروح الباحثة عن دفءٍ لم تجده، وعن كرامةٍ سُحقت تحت أقدام اللامبالاة والحقد.</p><p class=ql-align-right></p><p class=ql-align-right>لكن أيًّا من <strong>المجانين</strong> - كما يصفهم إهداء الكتاب - كان أكثر عقلًا؟ هل هم الذين اختاروا البقاء على هامش المجتمع، محبوسين بين جدران القسوة والفقر، أم هم <strong>العقلاء</strong> الذين قتلوا كل جمال، حتى دفعوا بـاليتيم إلى حافة الجنون والمستشفى؟.</p><p class=ql-align-right></p><p class=ql-align-right>اليتيم ليس كتابًا يُقرأ ليمر، بل ليُعاد النظر في كل تعريف رسمناه للعدل والقسوة والحب. إنه يضع القارئ وجهًا لوجه أمام الألم غير الموصوف للطفولة المسلوبة، ويجعله يتساءل: متى يتحول التجاهل إلى حقد، ومتى يصبح فقدان العقل نجاة؟. وعندما تصل إلى نهاية الرحلة الصادمة، لن تجد نفسك مجرد قارئ، بل شريكًا في صمت عانى منه بطل الرواية سنوات، ولن تغادر عالم الكتاب إلا وقد تبدلت نظرتك إلى نفسك، وإلى كل من مرّ بجانب الحائط. هذا النص الأصيل رسالة لكل من شعر بالنبذ يومًا: أنت لست وحدك</p>