<p>لم أكن أعلم أن شجرة الجوز التي تسكن بيتنا، كبرت حتى صارت مأوى للعابرين والزوار، يؤمّونها للتمني. لا أدري من أراق دماء تلك الفكرة؟! لكنني اليوم أصابتني الحيرة، ورأيت ما هو أكثر من ذلك. رأيت جذعها يحاول الوصول إلى نافذتي! هاهو ذا يتكئ على الزجاج، وقد دلفت حبات جوز إلى الداخل، تغريني بأن أقطف حبة.</p><p>مددت يدي أتحسس تلك الانحناءة الجميلة لذاك الغصن، وأعرف الحيلة التي اتبعتها الأم لتدخل جذعها إلى الغرفة. لكن الجذع وقف متأهباً يمنعني. ها هي ذي أمُّها الشجرة تطل من خلف الزجاج، تلوح لي منتصرةً وتبتسم!</p><p>&nbsp;في دجى الليل البهيم، رأيتها تتمايل على زجاج النافذة، تهز أغصانها بدلالٍ ورقةٍ. راقني ذلك التناغم والانسجام، وأدركتُ فجأةً أنها امرأة! ها هي ذي تعانق سحب سجائر الرجل الجالس تحتها وتبتسم. تُفكر في حيلة تلفت نظره إليها.. تُسقط حبة جوز على كتفه، لكنه لا ينتبه.. تسقط أخرى، فأخرى... حتى رفع رأسه مستغرباً، وفي عينيه يتدفق ينبوع دهشة!</p><p>راعها البحر الممتد في عينيه، والتوهج على شفتيه ياقوت ابتسامة. حملتها لتتبعه! لم تكد تخطو خطوة حتى باغتتها أيدي العابرين؛ تهز جذعها تحاول إسقاط حبات جوزها. يتسلقون على أغصانها، ويتضاحكون: حقاً إنها شجرة مباركة، وإلا ما استطاعت حملنا!</p><p>يرد آخر: وهل تصدقون هذه الترهات؟ فما هي إلا مجرد شجرة مسنة!.</p><p>يجمعون الحبات ودمعها.</p><p>انظروا هناك -وأشار بأصبعه- سنغزو تلك الأشجار الراقدة على ذاك السفح! نلقاكم هناك غداً.. وتفرَّقوا.. لم تبقَ منها غير قامة فارعة، تبحث عن بقايا غصن يواري ما تبقى منها.</p><p>يهبط الظلام أنيس القلوب، يرمم بعض الجراح، وإن كانت لا تبرأ.</p><p>في صبيحة اليوم التالي، كسا جذعها بعض الأوراق الصغيرة وقد تبرعمت على امتداده نحو الأعلى، تطلق أغصاناً غضة. استهلت تباشيرها بالفرح وقد تضوعت لهفة وانتظاراً، وهي تراه مقبلاً. شبّت تظلل المكان. عبَّ نفَساً عميقاً وجلس.</p><p>قالت بصوت مرتعش على خجل: أفتقد ظلك الساكن في روحي، أنتظر أن يتجلّى.</p>
Piracy-free
Assured Quality
Secure Transactions
Delivery Options
Please enter pincode to check delivery time.
*COD & Shipping Charges may apply on certain items.